
في عالم اليوم، تُعد العلامات التجارية واحدة من أقوى أدوات النفوذ الاقتصادي والسياسي، حيث لم تَعُد تعني فقط بناء بيزنس قوي ومربح ومستدام، بل أصبحت وسيلة لفرض الهيمنة على الأسواق والتحكم في توجهات المستهلكين. لا يمكن فصل التفوق الاقتصادي للولايات المتحدة عن سيطرتها المطلقة على العلامات التجارية الأكثر تأثيرًا في العالم، والتي جعلتها تحتل المرتبة الأولى اقتصاديًا بلا منازع.
حيث أن “الإقتصاد الأمريكي” يُشكّل “25%” من إجمالي الاقتصاد العالمي، بقيمة تصل إلى “29 تريليون دولار”، بينما تأتي الصين في المرتبة الثانية بـ”18 تريليون دولار”. هذا التفوق يرتكز بشكل أساسي على قوة العلامات التجارية الأمريكية، التي تهيمن على كافة القطاعات تقريبًا. فمن الصناعات الغذائية والمشروبات مثل “McDonald’s” و”Coca-Cola”،
إلى السيارات مثل “Ford”،
وصولًا إلى الملابس مثل “Nike”، والترفيه من خلال “Disney”،
وحتى التكنولوجيا حيث تتحكم “Amazon”، و”Facebook”، و”Google” في الاقتصاد الرقمي العالمي. لن تجد مجالًا تقريبًا لا تتصدره العلامات التجارية الأمريكية، التي تبيع أكثر من مجرد منتج؛ إنها تبيع صورة ذهنية ومشاعر وتجربة متكاملة تجعل المستهلك يدفع أموالًا طائلة وهو يشعر بالفخر والانتماء.
“وزير الصناعة البريطاني” صرّح في “جريدة البيان الإماراتية” عام “2016” بأن “العلامات التجارية هي خدعة اخترعها الأذكياء للاستحواذ على أموال الأغنياء”، وهذا القول يُلخص جوهر هذه الصناعة. العلامة التجارية لا تُقاس فقط بجودة المنتج، بل بالقيمة المضافة التي تخلقها في أذهان المستهلكين. الأمريكيون هم رواد العالم في هذه الصناعة، فهم لا يبيعون منتجات فحسب، بل يسوّقون أنماط حياة وأفكارًا تجعل الناس يتفاعلون معها بلا وعي، مما يمنحهم سيطرة اقتصادية تمتد إلى النفوذ السياسي عالميًا.
وهنا يطرح السؤال نفسه: أين العالم العربي من هذا السباق؟ في “مصر”، لدينا منتجات ذات جودة عالية مثل القطن المصري، لكننا لم نتمكن حتى الآن من خلق علامات تجارية عالمية قادرة على المنافسة بقوة. الحل لا يكمن فقط في تصدير المنتجات، بل في تصدير “القيمة والخبرة المصرية”، بحيث تصبح لدينا علامات تجارية قوية تُنافس على المستوى العالمي، ليس فقط في العالم العربي وأفريقيا، بل في الأسواق العالمية الكبرى.
لابد من تبنّي سياسات تحفيزية وتشجيعية لمجتمع الأعمال المصري، لخلق علامات تجارية وطنية تضيف قيمة حقيقية “للاقتصاد المصري”، وتمنحه هوية متميزة. المستقبل ليس لمن يصنع المنتجات فقط، بل لمن يمتلك القوة الذهنية والتسويقية التي تجعل المستهلكين حول العالم يشعرون بأنهم جزء من العلامة التجارية، وهذه هي اللعبة التي تجيدها “أمريكا” وتتفوق بها على الجميع.
بقلم
دكتور/ “ناجي يحيى”
استشاري تأسيس العلامات التجارية، وخبير الصناعة الرياضية،عضو الهيئة العليا بجمعية رجال الأعمال المصريين الأفارقة (EABA)



